لماذا ميكيل آرتيتا مختلف عن بيب غوارديولا ؟

منذ أن تولى آرتيتا مسؤولية تدريب آرسنال ، كانت المقارنات بينه وبين بيب غوارديولا ثابتة ومتكررة ولكن بالنسبة للبعض يرونهم دائماً بـنظرة المعلم والطالب.

بالرغم من ذلك .. آرتيتا يُظهر بالفعل أنه أكثر من مجرد استنساخ لـبيب غوارديولا الذي ساعده في فتح الباب أمام مسيرته التدريبية ، لكن الشاب الإسباني يجد طريقه الخاص حتى الآن.

هناك أوجه تشابه بين الثنائي بدون شك .. كلاهم حادّون في عملهم ويتشاركون الشدّة بالإضافة إلى الكاريزما الخاصة فيهم التي تجعلهم قادة بنظر البعض كما تتشارك فرقهم ببعض طرق اللعب الهجومية والدفاعية مثل الثلاثة مدافعين التي استفاد آرتيتا منها مؤخراً وهي ما طبقها غوارديولا أحياناً في بداية مسيرته مع السيتي ولكن آخر مرة عاد إليها كانت ضد ليون في ربع نهائي الأبطال في يوم الكارثة.

ولكن الاختلاف بين المدربين يأتي حتى من وقتهم الذي كانا يعملان فيه سوياً في السيتي ، بيب كان مسؤول عن العمل الكبير ولكن آرتيتا كان مسؤول عن تطوير اللاعبين فردياً حيث عمل على تحسين تحركات رحيم ستيرلينغ وإنهاء ليروي ساني وتمركز فابيان ديلف.

بـمعنى أن غوارديولا كان الواجهة الأساسية للعمل الكبير ولكن آرتيتا كان حلّال المشاكل ، مسيرة غوارديولا الرائعة تتحدث عن نفسها ولكن في الواقع سرعة مسيرة بيب غوارديولا لم تجعله يعمل كـمساعد من قبل مما يعني أنه دائماً يجب أن يفكر في خطة المباراة المقبلة والرؤية الواسعة لها ولكن حظي آرتيتا بحرية كبيرة للعمل على أدق التفاصيل الصغيرة.

تصريح سابق لـساني: " يسألني الناس دائمًا عن التدريب تحت قيادة بيب ، لكن أغلب الأشياء التي تعلمتها كانت من ميكيل آرتيتا ، إنه رجل جميل ومدرب رائع ، وهو دائماً على حق ، يشاهدني في التدريبات ثم يخبرني بما يفكر ورأيه حول ما رآه مني ، إنه لا يقترح شيئًا ويتركني أفعله وحيداً ، بل يعمل معي. "

في مقابلة سابقة في 2019 قال بيب عن آرتيتا: " يتمتع بأخلاقيات عمل لا تصدق كذلك يمتلك موهبة خاصة لتحليل ما يحدث في المباراة وإيجاد الحلول " ، وبالتركيز على جملة (إيجاد الحلول) فـإيجاد الحلول هو ما فعله آرتيتا تماماً في فترته مع آرسنال.

لا ينبغي أن يكون أمر مفاجئ أن هناك اختلافات بين آرتيتا وغوارديولا نظرًا للتناقضات الكبيرة في مسيرتهما الكروية ، على الرغم من أن آرتيتا تبع غوارديولا من خلال نظام أكاديمية لاماسيا في برشلونة إلا أنه لم يتم السماح له بـدخول الفريق الأول قانونياً ولكنه تحدث في وقت لاحق وقال أن الأفضل لـمسيرته وقتها الذهاب لفريق آخر لكي يستطيع اللعب أكثر.

في عمر الـ18 انتقل إلى باريس على سبيل الإعارة ثم انتقل إلى رينجرز لمدة موسمين حقق فيها الدوري وكأس الرابطة الاسكتلندية وثم قضى فترة وجيزة في ريال سوسيداد وبعدها عاد إلى بريطانيا حيث قضى ستة مواسم مع إيفرتون وخمسة مواسم أخرى مع آرسنال.

آرتيتا يمتلك تقدير كبير لـكرة القدم البريطانية حيث يقول أحد أعضاء طاقم آرسنال: " بيب يحترم كرة القدم الإنجليزية ولكن آرتيتا يحبها للغاية ، إنه المكان الذي قضى فيه معظم مسيرته الكروية لـذا هي جزء من شخصيته. "

عندما جلب بيب فلسفته ورؤيته لـكرة القدم الإنجليزية شعر أنها فلسفة غير مُرّحب بها من البعض ولكنه بالطبع كان يمتلك خبرة خارج إسبانيا قبل قدومه للسيتي نظراً لإنه عمل في الدوري الألماني مع بايرن ميونيخ لكن اللياقة البدنية مختلفة أيضاً...

يقول لورنزو بوينافينتورا (مدرب اللياقة البدنية في السيتي): " في ألمانيا يركض اللاعبين بالكرة أكثر وهناك الكثير من السباقات صعودًا ونزولاً في الملعب مع الكرة وبدونها ، في إنجلترا هنا الكثير من الاحتكاك الجسدي. "

اختيار نوعية لاعبي الوسط يُظهر الفارق بين بيب و آرتيتا

في 2018 كان يرغب السيتي في التعاقد مع لاعب وسط بمهارة أعلى من فيرناندينيو في التعامل مع الكرة وكان الهدف دي يونغ أو جورجينيو ولكن في خلال 12 شهر انضم الثنائي لـبرشلونة وتشيلسي ولكن بعدها لجأ غوارديولا إلى رودري وهو من نوعية اللاعبين القادرين على الاحتفاظ بالكرة بشكل جيد.

في الجانب المقابل قام آرتيتا بـجلب توماس بارتي وهو لاعب وسط أكثر قوة في الصراعات الهوائية وفي التدخلات وبالمقارنة بين الثنائي في التمريرات ، في الموسم الأخير لرودري مع أتلتيكو مدريد كان يمتللك مُعدّل 56.7 تمريرة في المباراة الواحدة بنسبة نجاح 91.1% أما بارتي في موسمه الأخير بـمُعدّل 46.8 تمريرة لكل مباراة بنسبة نجاح 83.4%.

نعم آرتيتا كان مهتم بـجورجينيو كـهدف احتياطي ولكن بارتي كان الهدف الأساسي له نظراً لإن جودته بدون الكرة نفس جودته أثناء الاستحواذ والاختلاف بين بارتي وردوري يُظهر لك اختلاف رؤية بيب و آرتيتا اتجاه طبيعة القوة البدنية في البريمرليج.

في نفس الوقت لا يقبل بيب غوارديولا فكرة أنه ’ ليس واقعي ’ حيث قال سابقاً في ديسمبر 2016 أن فكرة اللعب بـأمان بالنسبة له هي الإحتفاظ بالكرة بـأكبر قدر ممكن وهو شيء يبدو منطقي أيضاً.

ولكن من المنصف أيضاً أن نقول بأن آرتيتا كان واقعي في التعامل مع طبيعة الدوري الإنجليزي خصوصاً بالإمكانيات التي يمتلكها فـمن السهل أن تلعب كرة القدم التي ترغب برؤيتها عندما يعطيك الملاك دعم استثنائي ، فـربما الأمر لا يتعلق بالواقعية أكثر من المرونة.

منذ اليوم الأول لـبيب في السيتي ستجد مباريات قليلة جداً كان فيها فريق أقل استحواذاً من الخصم أما آرتيتا فـقال سابقاً أن فلسفته الكروية ستكون مبنية على إمتاع كل شخص يشاهد المباراة ويريد أن يكون فريقه هو من يأخذ زمام المبادرة ولكن أيضاً ستكون مبنية على طريقة لعب الخصم.

من الصعب أن تقول بأن آرتيتا كان يدخل كل مباراة لـتقديم المتعة للجمهور نظراً لإنه استلم فريق في المركز العاشر وأغلب انتصارات آرتيتا المهمة جاءت عندما يدافع الفريق بعدد كبير من اللاعبين في الخلف ويعتمد على المرتدات ، في نهاية الموسم الماضي فاز آرسنال على ليفربول والسيتي وتشيلسي وفي كل المباريات لم يستحوذ فريقه على الكرة بـأكثر من 40%.

الظروف مختلفة بين بيب وآرتيتا حيث لم يستلم بيب فريق في المركز العاشر لذا طريقة عمل آرتيتا من الطبيعي أن تكون مختلفة حتى صرح آرتيتا سابقاً قبل مباراة ليفربول في الآنفيلد بأن هناك فرق بين ما تريد فعله كـمدرب وما يتاح لك أصلاً بناءاً على اللاعبين والإمكانيات التي تمتلكها ضد الفرق الكبرى.

أحد أعضاء طاقم آرسنال المُطّلع على خطط آرتيتا: " آرتيتا يعرف الخطة الأفضل لـهذا الفريق ويعرف كيف تنتهي ولكن هذا لا يعني أن الخطة الأفضل يستطيع تطبيقها من أول يوم نظراً لإن هناك الكثير من الأشياء الغير الصحيحة التي ورثناها ، ولكن من علامات المدرب الجيد هو الفصل بين ما يريده من فريقه وما يستطيع الفريق تقديمه بالفعل. "

لكن آرتيتا حاول غرس بعض الأساسيات في الفريق حيث يعتمد على بناء اللعب من الخلف أكثر من السيتي نفسه ، حتى الآن 32% من استحواذ آرسنال هذا الموسم في الدوري جاء في منطقة الثلث الدفاعي لـلفريق بينما 17% فقط من استحواذ السيتي جاء في الثلث الدفاعي.

هناك عدة أسباب لرؤية أرقام آرسنال أعلى من السيتي أبرزها أن آرتيتا ما زال يُعلّم اللاعبين على طريقة بناء اللعب من الخلف ويحاول أن يجعلها أمر طبيعي لهم لكن السيتي أيضاً لم يعتمد بنسبة 100% على بناء اللعب من الخلف خصوصاً في الموسمين التي حققوا فيها اللقب.

السيتي كان يعتمد أيضاً على الكرات الطولية القادمة من ايدرسون لكسر الضغط العالي من الخصم كذلك كان يعتمد على ركلات المرمى نظراً لإنه لا يوجد تسلل في ركلات المرمى حيث سجل منها آجويرو ضد آرسنال بعد كرة طولية قادمة من برافو وسجل أيضاً ضد هيدرسفيلد بعد كرة طولية قادمة من ايدرسون.

كذلك هناك اختلاف واضح في مرحلة كل فريق حالياً .. مثلاً أصبح معروف أن السيتي فريق رائع للغاية في بناء اللعب من الخلف لذا أصبحت الأندية لا تضغط عليهم ويتكتلوا فقط في الخلف حتى صرح رودجرز مدرب ليستر بعد الفوز بـخماسية على السيتي بأنه طلب من فريقه التنازل عن الكرة وعدم الضغط والتكتل في الخلف عكس طريقة لعبهم المعتادة.

مثلا عندما تنظر لمواجهة بيب و آرتيتا في الاتحاد ذهاب حيث سيظهر أسلوب آرتيتا الواقعي نظراً لإن الفريقين في مرحلتين مختلفة تماماً وفي مرحلة توقعات مختلفة ومع وجود رجلين مختلفين لـكل فريق ، بالطبع لا توجد مقارنة بين خبرة بيب وأرقامه مع آرتيتا لذلك ربما حان الوقت لتخفيف المقارنات حيث يعمل المدرب الشاب آرتيتا على تأسيس هويته الخاصة ويخرج من ظل استاذه.

بقلم : محمد حبيب